أعمدة صحفية

موسم (الكوديق)

 خط الاستواء

 

عبد الله الشيخ

 

الأرض عزيزة عند ضفة النيل في الشمال والمساحة المزروعة صغيرة؛ وملكيتها تشققت بالتوريث، فلم يعد الفرد هناك يمتلك غير كسور قليلة، لكن الهوس الذي ضرب الأهالي هناك لحيازة الأراضي، حفزته فيهم وحدة السدود، عندما وضعت يدها على الأراضي (الصلعاء) غربي وشرقي الظلط، فاستشرى هوس الاستحواز على الصحراء، دون توفر مقومات الاستصلاح.

 

أهالي الشمال يبحثون عن رخاءٍ مُتَوَهَّم، لم يجدوه فى جروفهم الضيِّقة على ضفاف النيل، ولديهم الآن قناعة راسخة بأن الأراضي فى صحراء العتمور، أفضل من السواقي (النايحة طول الليل).

 

يقولون إن أياديهم مغلولة عن استثمار العتامير بسبب إجراءات حكومية فرضتها عبر وحدة السدود؛التي كانت تمنع التصديق لزراعة أي أرض فوق الظلط .. هناك ضيف عزيز حل فى الأهالي هو الكهرباء.. فقد وصل التيار الكهربائي إلى بيوتهم قبل سنوات قليلة، وبفضل من الله شربوا الماء البارد وهو أعز عزيز في الفلوات؛ لكنهم اليوم يتنادون للاستفادة من الكهرباء برفع المياه من مجرى النيل لري الجناين.

 

في هذه الأيام ينحسر نهر النيل حتى يصبح شريطاً ضيِّقاً  كسيحاً..في الشهر بئوونة – بعد شهر من الآن –  ينشغل الأهالي فى نفير جماعي هو حفر “الكوديق” إذ يقومون بتوصيل مضخات المياه بحفرة فى الرمل؛ توصل مضارب الماكينات بتيار النهر.. وهذا العمل قد يستمر بشكل يومي، لأن النيل فى هذه الأيام يبدي شروده وعزوفه عن الضفاف، كأنه يضيق ذرعاً بساكنيه.

 

ومن أهم الصروح التى تم إنجازها فى بعض قرى الشمال، أن بعض المحسنين من بلاد النفط  اكتشفوا فجأة ذلك المكان القابع فى طي النسيان، فتبرعوا بتشييد بعض المساجد فوق الدمر القديم، فوق الزوايا التي يأوي اليها الناس كل مساء .

 

فى باحة مسجد “عمر بن الخطاب ” الذي شيده أحد المحسنين في بحري الجبل، يلتقي أهل القرية فى أوقات الصلاة، كما ويقيمون مناسباتهم في المسجد الذي أصبح قبلة لعابري السبيل ولجماعة الهجرة والخروج فى سبيل الله… فى باحة المسجد ترى عدد الشباب ضئيل جداً مقارنة بذوي المشيب، فالشباب إما هاجروا الى بلدان النفط أو غادروا الى المحس بحثاً عن “الدهب” ومن تبقى منهم “قاعد مجبور”!

 

الأنس جميل مع الشيوخ الذين أرهقتهم الأيام صعوداً وهبوطاً.. لدى هؤلاء رصيد من السخرية يتدفق فى وجه حكومة الخرطوم، يكاد يطرح أرضاً، برامجها  البنيوية من كل صنف ونوع..

 

القادم من بعيد، يُلاحظ أنهم يسمعون ــ فقط ــ ما يعجبهم من قول الذي يقول.. فى الباحة. كان من أفراد من جماعة الهجرة “يباصرون ” أهل القرية لإقناعهم بالهجرة..! وقفت أتَسَمَّع تعليقاتهم على الاُطروحة وأنا عليمٌ بردودهم الجاهزة القابعة في طرف اللسان، تلك الردود التى لا يبذلون في رميها كثير عناء.. أو كما يقولون – كلام الله ما بناباهو – لكن الزول أكان ضهرو أعوج، يهاجِر عشان يقع وين؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *