أعمدة صحفية

معادلات

 

علي يس

في ذكرى رحيله السادسة:

لو كان شيوعياً …!!

  • “البروباغاندا” وحدها ما يصنع تصوراتنا تجاه كثير من الناس و الأحداث .. و الأجندات السياسية حين تختبر مدى ذكائها الخبيث في توجيه الإعلام، فإنها تفض بكارة الحقيقة، وتنتهك شرفها، و تستخدم “روح القطيع” في تشكيل أكذوبة عُظمى، تُسمَّى في المصطلح السياسي الغربي “الرأي العام” ..
  • محجوب شريف شيوعي “يقولون” .. و”الشيوعية” هي .. أعوذ بالله !! (تصرخ بها جدتك الأمية المسكينة في بيتها، مستلهمة ذاكرتها التي أفلحت البروباغاندا لعقود متطاولة في بنائها)..
  • و لكن هذا الشيوعي يقول :

أحب الكلمة لو حُرة
أحب السترة لو مُرة
أعاف الشينة لو دُرة

(وهي خصال ثلاث، لو تحققت في أي كائن بشري لارتقت به إلى مصاف الأنبياء)

  • وهو، منذ نصف قرن و حتى رحيله، لم يعوِّد الناس على قول لا يصدقه الفعل .. تغنى للفقراء، فعاش فقيراً و مات فقيراً .. لم ينكسر للفقر؛ بل “أعاد إنتاج” الفقر، إلى عِزَّة نفس باذخة، تجعل أثرى الأثرياء يتضاءل أمام هذا “المدرِّس” الفقير شبه المُعدم .. لم يستولِ عليه الخوف يوماً، لا خوف الفقر ولا خوف  “العدو”، ولا خوف الموت . و الذي لا يخاف هو المؤمن فقط ، و هو “ولي الله” فقط ..هو من قال، حين أشاع الناسُ خبر وفاته قبل حدوثها:

أقولُ دون رهبة، أقولُ دون زيفْ
أموتُ، لا أخاف أين أو متى وكيفْ؟
أموتُ في سريري
زوجتي بنتاي
جيرتي عشيرتي
وأصدقائي
قطتي..(راكوبتي)،  و(زيري)
معززا مكرما مهندما
بناصع البياض
و موكب يحفني لمرقد أخير
أموتُ، لا أخافُ،
كيفما يشاء لي مصيري
أموت لا أخافُ
قدر ما أخافُ
أن يموت لحظةً ضميري

  • فالموت الذي كان يخشاهُ محجوب لم يكن موت الجسد، ولا مفارقة الدنيا، و لا مفارقة الأحباب.. الموت الذي كان يخافه محجوب خوفاً حقيقياً هو (موت الضمير)..
  • لو كان محجوب شريف شيوعياً، فمكارم الأخلاق إذاً شيوعية، ولا تثريب على الشيوعيين إذاً أن يبقوا، بأخلاقهم العالية، حيث هُم، كما بقي محجوب شريف، ولا بأس عليهم أن يلقوا ربهم كما لقيه، شاهدين ألاَّ إله إلا الله .. و أنا أرجوهم أن يفسحوا لي مكاناً على بساط شيوعيتهم النبيلة، ما دامت تُورث أخلاق محجوب شريف ونبله ونقاءه ..
  • فالرجل الوحيد الذي عرفت انطباق دعواه على سيرته، و قوله على فعله، بين كل رموز هذا السودان التي عرفت، قديمها و حديثها، الرجل الوحيد الذي حقق هذه المعادلة العصية المرهقة، في مدى علمي، هو محجوب شريف .. وهو الرجل الوحيد الذي صنع بفقره منجماً لليتامى وللمساكين وللأطفال المرضى، واستلهم “النَّفّاج”، ثم “رد الجميل” الذي حاوله البُسطاء من أبناء هذا البلد، بقليل مالهم الحلال، لعلاج هذا النبيل قبل سبعة أعوام من وفاته، استلهم هذا الفعل الشعبي التلقائي منشئاً منظمة “رد الجميل” .. عجيب أمركم يا محجوب، ويا أهل بلادي البسطاء، كل منكم يظن أن للآخر عليه جميلاً ينبغي رده !!.. منظمة رد الجميل هي الجزء الصغير الظاهر من جبل “شفافية” محجوب شريف و سخاء نفسه، وباهر أعماله و إنجازاته التي وسعتها حياته القصيرة المباركة.
  • أما الذين كانوا قريبين من الرجل فيعرفون من حبه للناس و رحمته بهم؛ وخصوصاً ضعفائهم، ما تبدو بجانبه منظماتٍ مثل “النَّفَّاج” أو “رد الجميل” برغم عظم بلائها، شيئاً صغيراً ..
  • لو كان محجوب شريف شيوعياً ، أو كان “إسلامياً ” لاستخدم قوالب “الأيديولوجيا” في ترفيع قيم الأخلاق، والتغني لها بكلماته و بسلوكه .. ولكن محجوباً كان أكبر من هذه القوالب، وأكثر أيماناً من جميع المتحزبين و ذوي الانتماءات المدَّعاة، بأن الله جميل يحب الجمال ..

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *