أعمدة صحفية

فضاءات الجمعة (في البلوى)..!

عثمان شبونة

* يقيِّض الله التخفيف أو اليسر في المصائب برحمته؛ فإن عظمت تعاظمت معها المكافآت ــ من عنده سبحانه وتعالى ــ بقدر يقين العبد وإيمانه به؛ وبالقدر (خيره وشرّه)..!

* من الحكمة أن ننظر إلى ابتلاءاتنا باستدراك ما هو أشد منها؛ وأمامنا كروب التاريخ ما بين إسوِدادِها ودُكنتها؛ توزعت على البرية ولم تستثني الرُّسل الكرام.. وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث: (عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: قلْتُ: يا رسول اللَّه؛ أَيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قَال: الأنبياء؛ ثم الأمثلُ فالأمثلُ؛ فيُبتلى الرجلُ على حسب دينهِ؛ فإِن كان دينه صُلباً اشتد بلاؤهُ؛ وإن كان في دِينهِ رِقةٌ ابْتُلِىَ على حسَبِ دِينِهِ؛ فما يَبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركهُ يمشي على الأرض ما عليه خطيئةٌ).

* ومما روته السيِّر للفقيه الزاهد سفيان الثوري قوله: (لم يفقه عندنا من لم يجد البلاء نعمة والرخاء مصيبة).

* جاء في كتب الأقدمين: الهموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب. وسمِعَ حكيم رجلاً يقول لآخر: لا أراك الله مكروهاً، فقال: كأنك دعوت عليه بالموت فإن صاحب الدنيا لابد أن يرى مكروهاً. وتقول العرب: ويل أهون من ويلين. وقيل: الحوادث الممضة مُكسبة لحظوظ جليلة؛ إما ثواب مدخر أو تطهير من ذنب أو تنبيه من غفلة أو تعريف لقدر النعمة.

* وفي تقلبات الأيام ــ حلوها ومرها ــ أنشد البحتري شعراً عذباً:

وما هذه الأيام إلاّ منازل

فمن منزل رحبٍ إلى منزل ضنكِ

وقد دهمتك الحادثات وإنما

صفا الذهب الإبريز قبلك بالسبكِ

أما في نبي الله يوسف أسوة لمثلك

محبوس عن الظلم والإفك

أقام جميل الصبر في السجن برهة

فآل به الصبر الجميل إلى المُلكِ

* وسئل بزرجمهر عن حاله إبّان نكبة ألمّت به؛ فقال: عوّلت على أربعة أشياء، أولها: أني قلت القضاء والقدر لابد من جريانهما، والثاني: أني قلت إن لم أصبر فما أصنع؟ الثالث: أني قلت قد كان يجوز أن يكون أعظم من هذا، الرابع: أني قلت لعل الفرج قريب.

* عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه. قالوا: وما اقتناه؟ قال: لا يترك له مالاً ولا ولداً).

* من القصص المأثورة؛ أن موسى عليه السلام مرّ برجلٍ كان يعرفه مطيعاً لله تعالى وقد مزقت السباع لحمه وأضلاعه؛ وكبده ملقاة على الأرض؛ فوقف متعجباً؛ فقال: أى ربِّ عبدك ابتليته بما أرى، فأوحى الله تعالى إليه “أنه سألني درجة لم يبلغها بعلمه؛ فأحببت أن أبتليه لأبلغه تلك الدرجة“.

* البلوى تجابه بالصبر، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصبر ستر الكروب وعون على الخطوب). ومن الحكم الفاخرة لسيدنا علي كرم الله وجهه: (الصبر مطية لا تدبُر وسيف لا يكل).

* قال شاعر:

وإذا مسّك الزمان بضرٍ

عظمت دونه الخطوب وجلّت

وأتت بعده نوائب أخرى

سئمت نفسك الحياة وملّت

فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني

فالرزايا إذا توالت تولّت

* ومن وقائع الابتلاءات الكبرى نقرأ تذكرة من فرائد ابن القيم؛ إذ يقول: (الطريق طريقٌ تعِبَ فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمِىَ في النار الخليل، وأُضْجِعَ للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم).

ــ هامش: الحَصُور ــ في قاموس المعاني ــ هو الممتنع عن الانغماس في الشهوات، جاء في سورة آل عمران قوله تعالى: (أَنَّ الله يُبشركَ بيحْيَى مُصدِّقاً بكلمةٍ من الله وسيِّداً وحَصُوراً). صدق الله العظيم.

* عزيزي القاريء: باب البلوى لا حدود له في الحكي والمواعظ.. سنعود لتكملته ــ في جمعة قادمة ــ بمشيئة الله.. فاللهم أجعلنا من الصابرين على الابتلاءات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *