مبارك الفاضل المهدي في حوار مع (المواكب) : إعتصام القيادة العامة للجيش فقد تأثيره وليس هنالك من له مصلحة في فضه (3-3)
قال السياسي البارز : حمدوك وأعضاء حكومته غير ملمين بما يحدث داخل الدولة
مبارك عبدالله الفاضل المهدي اقتصادي وسياسي ورئيس حزب الأمة، تولى العديد من المناصب السياسية والتشريعية والتنفيذية ابان الحكم الديمقراطي 1986- 1989م، وله مساهمة فاعلة في معارضة نظام الإنقاذ وكان مهندس إتفاقية شقدوم بين حزب الأمة والحركة الشعبية لتحرير السودان في ديسمبر 1994م، وانتخب أميناً عاما للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض في يونيو 1995م .. وعاد الى البلاد في العام 2000م بعد إتفاق جيبوتي بين حزب الأمة وحكومة الإنقاذ في نهاية نوفمبر 1999م .. وشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية ثم وزيراً للإستثمار ونائباً لرئيس الوزراء في قبل سقوط نظام البشير .. (المواكب) إلتقت به وأجرت معه حواراً مطولاً تحدث فيه عن أسباب الأزمة الاقتصادية والحلول للخروج من هذه الأزمة الطاحنة .. كما تحدث عن كواليس ثورة ديسمبر وتقييمه لمسار الثورة .. فإلى مضابط الحوار :
حوار : صلاح المليح
- هل كنت على علم بعملية فض إعتصام القيادة العامة التي قادت الى المجزرة البشعة ؟
- أبداً .. لكن كنت أرى أن أي موضوع يخرج من طوره ينقلب ضده .. والإعتصام أصبح مستخدم سياسياً في الصراع مع الجيش .. وهناك صراع حزبي كان يقوده اليسار .. فاليسار كان ماخد خط غريب شوية .. خط ما عقلاني .. (الكل ولا مافي) .. وهو خط مغيب الواقع وغير مقدر لحجم القوى السياسية المتحالفة معه وفيه تغييب لواقع الدولة .. والقوات المسلحة ركن أساسي من أركان الدولة .. وأنت لا تحمل تفويض شعبي .. صحيح هنالك من أيد الحرية والتغيير عشان الجداول لكنها ليست عضوية في حزبك هي أيدت أهداف معينة ووضع معين .. وكان ينبغي من خلال هذا التفويض اللحظي هذا أن تقوم بترتيب أمور البلد مع الآخرين لا أن تقوم بتجيير المسألة وتطورها في إتجاه تطرفي ومعاداة مكون أساسي معاك مفترض أن يشكل معك الوضع الجديد .. ولم أتوقع فض الإعتصام لأنه كان في نهاياته والأعداد أصبحت قليلة .. وأصبح في الأيام الاخيرة كنادي لإلتقاء الشباب .. وإعتقد أنه ليس هنالك من له مصلحة في فض الإعتصام لأنه فقد تأثيره الحقيقي في ذلك الوقت.
- كنت سمنة على عسل مع المخلوع البشير بل كنت وزيراً ونائباً لرئيس الوزراء في الحكومة التي إنطلقت شرارة الثورة في فترتها .. ما الذي جعلك تتحول الى معارضته ؟
- هذا غير صحيح .. أنا أصلاً معارض .. ليس مجرد معارض وحسب بل مؤسس للمعارضة .. كل هؤلاء أنا شيخهم .. أنا من جمع الكل في 1989م .. وأنا عملت أعرض معارضة في تاريخ السودان .. فقد أتيت بجون قرنق مع المعارضة الشمالية وهذا لم يحدث في تاريخ السودان .. فأنا الوحيد الذي استطاع أن يتجنب الإعتقال في 1989م وظللت مختفياً لمدة شهر وإستطعت أن أخرج من السودان عبر الحدود الغربية عبر ليبيا .. وبدأت تأسيس المعارضة من كل الأحزاب .. وكنت على إتصال بناس في كوبر لمعرفة التطورات والنقاش حول ما سيحدث .. وتم الإتفاق على عمل ميثاق للتجمع .. وكانت لدينا لجنة تعمل في الخارج بين المكونات .. وكان فيها من جانبنا أخونا محمد عبدالله الدومة ومهدي داؤود الخليفة وباشمهندس أحمد كوريا (أحمد إبراهيم مخير) وهؤلاء من حزب الأمة وكانوا ينسقوا مع القوى السياسية الأخرى .. وقمت بإعداد مؤتمر أسمرا .. وعملت علاقة مع أريتريا ونقلت المعارضة الى هناك وعملنا جبهة مسلحة .. وإنتخبت أميناً عاماً للتجمع في 1995م في مؤتمر القضايا المصيرية وجاء ترشيحي من الحزب الشيوعي وساندوني العسكريين تكريماً لي بإعتبار أنني من فتح الأبواب للمعارضة .. بعد ذلك حدثت تباينات وتطورات في المواقف داخل وخارج السودان جعلت حزب الأمة يقرر العودة الى الداخل .. وكنا نريد أن نقنع البقية للعودة بعد أن إنقسم النظام في ديسمبر 1999م .. وكذلك حدث إنقسام في جبهتنا في الخارج بدخول إثيوبيا وإرترية في حرب ودخلنا السودان في آخر 2002م بموجب إتفاق جيبوتي .. ودخلنا في الحكومة وخرجنا منها وسحبنا 15 وزيراً .. وفي 2007م تم سجني بتهمة الإنقلاب وكان ناس صلاح قوش وعلي عثمان يريدون أن يحاكموني بـ(13) مادة أقل حكم فيها الإعدام .. في 2009م عملت مؤتمر جوبا الذي أسس لقوى الإجماع الوطني من خلال علاقاتي مع الجنوبيين .. وفي 2015م أسسنا الفجر الجديد في أوغندا وأحزاب (قحت) كلها (إتملصت) منه .. وقاطعنا الحوار الوطني .. وعندما خرجت نتائجه ووجدناها تتوافق مع برنامج المعارضة وقعنا على مخرجات الحوار الوطني بعد أن وقعت المعارضة على الوثيقة الإفريقية في أديس .. وعندما جاءت المشاركة في الحكومة إعتذرنا وتدخل بكري حسن صالح وأصر علي أن أدخل معه الحكومة وقال لي أنه يريد وجه معارض لأنه راغب في الدفع بأجندة التغيير .. وإشترطت أن يتحملني وأن يمنحني صلاحيات ووافق على ذلك .. وانا رجل سياسي وبكري رجل عسكري والثاني في الدولة فإذا أنا أستطيع أن أسوقه في خط لتحقيق أهدافي فوافقت على المشاركة وخيرني بين أربعة وزارات وأنا إخترت وزارة الإستثمار .. وقلت له نحن سنواجه الفساد فهل ستتحمل الوضع مع ناسك ؟ .. فرد علي : (انا بعد السن دي ما بحمي لي فساد .. إنتو بس أضربوا تحت الحزام) .. ماذا كانت النتيجة ؟ .. كانت أن خرج بكري من النظام لأنه كان يسير في خط تطبيق مقررات الحوار الوطني وكان يرأس لجنة عليا للتطبيق .. وكان يصر على تقارير دورية عن التطبيق في كل وزارة والولايات .. وإتفقت مجموعة علي عثمان مع البشير على عزل بكري وتم ذلك في أغسطس 2018م .. وعندما خرجت عقدت مؤتمراً صحافياً وطالبت بضرورة تغيير الوضع .. وقد نجحت من خلال تحالفي مع بكري من (فرتقة) آخر مصدر قوة في الإنقاذ – العلاقة بين بكري والبشير- وكشفت قضايا الفساد في الدقيق والبترول والضمانات والمالية .. والحق يقال فقد كان معنا وزراء المؤتمر الشعبي الإثنين .. وإستطعت أن أدرس كل الملفات أثناء تواجدي داخل الحكومة خلال سنة وكل هذه المعلومات في حوزتي .. ومشكلة أعضاء الحكومة الحالية أنهم لا يملكون أي معلومات وليس لديهم أي دراسات ويعتمدون على السماع من المجتمع فقط بما فيهم رئيس الوزراء – ما عارفين أي حاجة عن الحاصل جوة الدولة دي – .. ونحن أول قوى سياسية قدمت مذكرة للبشير تطالب بذهابه.
- مواقفك المناوئة لقوى الحرية والتغيير تجعلك في خانة الموالي للعسكر .. بما تدافع ؟
- انا ما مناوئ لقوى الحرية والتغيير .. معظمهم أصدقائي وعملنا مع بعض فترة طويلة في قوى الإجماع وفي التجمع الوطني الديمقراطي .. وهم يعلمون أنني في العمل والحق لا أجامل .. ومنذ يناير الماضي أنا سعيت أن أصحح الوضع الحالي .. وأنا إلتقيتهم جميعاً حزب الأمة القومي المؤتمر السوداني والشيوعي وقدمت لهم مقترحات مكتوبة .. وقلت لهم (إعلانكم ده ما بوديكم بعيد) لأنه إعلان فضفاض وما فيهو أي برنامج أو رؤية وطالبتهم بتوسيع القاعدة لتشمل كل الذين وقفوا مع الثورة .. ووافقوا على المبدأ وأعلنوا في مؤتمر صحفي في مارس أنهم سيوسعون الإعلان وتطويره لإدخال الذين ساندوا الثورة .. إلا أنهم لم ينفذوا شيئاً .. ونتيجة لذلك حدث الفشل والخلافات بين مكونات الحرية والتغيير .. إذن نحن سعينا إليهم وأنذرناهم بما قد يحصل وحاولنا أن نعمل معهم .. وأنا أعرف قدراتهم ومنهجهم .. ومشكلة الحركة السياسية السودانية في أنها تفشل في التحالفات لأن لها خاصيتين تفشل التحالفات (الغيرة والحسد).
- كنت أول من طالب داخل نظام المخلوع بضرورة التطبيع مع إسرائيل .. هل ما زلت عند موقفك ؟
- نعم أنا طالبت في منبر إعلامي في أغسطس 2017 بالتطبيع مع إسرائيل .. وإعتقد إذا عندنا مصلحة يجب أن نخدمها .. والعالم تغيير والآن يقوده الاقتصاد والمصالح وليس الايديولوجيا .. فعهد العقائدية والأيديولوجيات إنتهى . فالإقتصاد أصبح قاطرة السياسة وليس العكس .. ومن هذا المنظور نحن نقيم هل لدينا مصلحة مع إسرائيل ؟ .. هنالك نقطة ثانية لم أقلها في تلك الفترة لأنو كان صعب أن أقولها في ظل ذلك الوضع وهي أن نظام البشير دخل في حرب مع إسرائيل من خلال تحالفه مع إيران وكان ينقل السلاح .. هل تعلم أنه إسرائيل شنت (80) غارة على أولادنا الرشايدة في البحر ومات منهم (2000) شخص في عملية تهريب السلاح بخلاف الغارات التي حصلت في الخرطوم وبورتسودان ؟ .. هل تعلم أن المبحوح الذي كان يأتي ليشتري السلاح من تشاد وغيرها ويتم تجميعه في الشرق ؟ .. وأبنائنا الرشايدة قالوا لي أنهم ما عرفوا أنه المبحوح إلا بعد أن نشر صورته بعد مقتله في دبي .. ونتيجة لذلك اللوبي اليوهودي في أميركا طبق العقوبات على السودان والخاصة بالإرهاب .. والعقوبات إستغلت قضية دارفور .. الآن هنالك مصلحة في إنهاء حالة الحرب هذه وإتفق مع الأميركان بأن ترفع أيدها من السودان بعد أن ينهي حالة الحرب الموجودة والمسؤول عنها النظام البائد .. والآن جاء الأميركان وربطوا الأمر بالتطبيع مع إسرائيل .. وهناك من يعتقد أن هذا ليس في مصلحتنا وأنا أقول أنه في مصلحتنا وهنالك فوائد من التطبيع .. وفي رأيي هنالك ثلاثة شروط يجب أن يحققوها للسودان وهي الموافقة على أولاً : رفع العقوبات فوراً ورفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ثانياً : وأن يصدروا قرار يعلنوا فيه موافقتهم لدول نادي باريس لإعفاء ديون السودان ثالثاً : أن يعلنوا إلتزامهم بدعم مطالب السودان في مؤسسات التمويل الدولية لتمويل حزمة إقتصادية للإصلاح الإقتصادي .. فإذا تم ذلك فنحن مستعدون للتوقيع مع إسرائيل في كل شئ .. وإسرائيل عندها أرفع تقانة زراعية وأرخص من أميركا وهي التي طورت الزراعة البستانية والري في مصر .. وإذا نظرنا للإقليم من حولنا فالعدو لم يعد هو إسرائيل .. العدو إيران التي لها أجندة مستخدمة حشد مذهبي لتفجر به المنطقة العربية كمدخل .. ودخلت سوريا ولبنان والعراق واليمن حاولت أن تزعزع إستقرار البحرين .. والتحول الجاري الآن هو أن الحليف سيكون إسرائيل لوجود مصلحة مشتركة .. وإسرائيل ما طمعانة في الأراضي العربية بل هي طمعانة في أمنها والأمر الثاني إسرائيل لها مصلحة في أن الخطر الإيراني يتحجم لأن يسير نحو أن يصبح نووي في المنطقة .. والقضية الفلسطينية حسموها أصحابها في أوسلو والخيار العسكري إنتهى بخروج مصر والأردن وحتى سوريا.
- هناك من يرى أن ما حدث في الثلاثين من يونيو 1989م ليس إنقلاباً وإنما تغييراً للحكومة بموافقة السيد رئيس الوزراء الصادق المهدي .. ما تعليقكم على ذلك ؟
- ما صحيح لأن سيد الصادق ما عنده مصلحة .. لكن المشكلة كانت هي التنظيمات العقائدية في اليمين واليسار هي التي كانت تسعى للإنقلابات لأنها تستعجل الوصول الى السلطة من غير صناديق الإقتراع .. وإعتقد أن الجبهة القومية الإسلامية إرتكبت خطأ كبير جداً في حقها وحق السودان .. وهي في النهاية كانت هي الخاسر .. ولكن طبيعة النظام الديمقراطي كان صعب يحمي نفسه بالطريقة الكلاسيكية .. فالأجهزة الأمنية ضعيفة .. التوجس بين الشركاء في التعامل بين الأجهزة الحساسة.
- حكومة السيد الصادق المهدي متهمة بالتساهل مع التقارير الأمنية التي كانت تشير الى تحرك الجبهة الإسلامية لقلب نظام الحكم .. وبما أنك عضو في تلكم الحكومة كوزير للداخلية آنذاك ما ردك ؟
- كانت هنالك معلومات ما كنت عارفها .. ووصلته عن طريق المرحوم صلاح عبدالسلام الخليفة .. وهي عبارة عن بلاغ وصله من ضابط في السلاح الطبي عن إجتماع كان فيه عمر البشير ومحمد الأمين خليفة والطيب سيخة والطبيب الذي مات في أول يوم الإنقلاب .. فالبلاغ كان عن تحرك إنقلابي .. وانا لم أكن أعلم وعلمت بذلك في صلاح عبدالسلام في العام 1998م .. وقال أنه بلغ رئيس الوزراء الذي بدوره كلفه بأن يبلغ القائد العام رئيس الأركان وتمت متابعتهم وجاء التقرير بأن المعلومة غير صحيحة وعمر البشير في طريقه لكورس في مصر .. فما تم هو انهم إعتمدوا على تقارير نمطية ولم يتخذوا إجراءات ولم يبلغوني كوزير للداخلية .. فإكتفوا فقط بإبلاغ القائد العام ورئيس الأركان وإكتفوا بردهم .. وسيد الصادق كمفكر دائماً ينظر الى الأمور من نظرة المفكر .. فكمفكر كان يرى أنه في ظروف السودان المعقدة حرب وأزمة إقتصادية لا يمكن لعاقل أن يفكر في إنقلاب .. فهو كمفكر يفكر بموضوعية .. وخلافي معه أن الذي يعمل إنقلاب لا يفكر بموضوعية .. فالحرامي لا يفكر بموضوعية وإنما يفكر في حاجته في أن يسرق لا يفكر في أن ذلك قد يقوده الى السجن وكذلك المسؤول الذي يريد أن يختلس