تقارير

ماذا وراء الهبوط

” الدولار”.. معركة مع الجنيه أمام ناظرَيْ الحكومة!!

تقرير: جاد الرب عبيد

بصورة مباغتة بدأ سعر صرف الدولار في هبوط، بعد ارتفاع جنوني وصل ألى أرقام فلكية حيث طرق أبواب الـ500 جنيه، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه حول دواعي الهبوط المفاجئ، في وقت ذهب كثيرون إلى أن مزادات بنك السودان للدولار نجحت في تخفيض سعر الصرف بينما يتخوف آخرون من تصاعد مرتقب خلال الأيام المقبلة فى ظل عدم وضوح الاجراءات والسياسيات الحكومية، بجانب عدم وجود فعالية للرقابة على الاسواق ومحاكمات فورية ومعلنة لمضاربى العملات الحرة فى السوق الاسود.

 تضييق الفجوة

وقال متعاملون إن السياسة الجديدة تعمل على ما يبدو على تضييق الفجوة بين سعري السوقين الرسمية والسوداء التي اتسعت في الأسابيع الأخيرة، ويسجل سعر الصرف انخفاضًا نادرًا عقب مزادات البنك.

وكان البنك المركزي قد تبنى سياسة سعر الصرف المرن المدار، وأقر مزادات العملة الصعبة لدعم السياسة الجديدة من خلال تزويد المستوردين بالدولار من خلال البنوك التجارية لأول مرة منذ سنوات.

وتحاول الحكومة الانتقالية إخراج البلاد من أزمة اقتصادية عميقة وتواصل إصلاحات صارمة يراقبها صندوق النقد الدولي، وذلك على أمل تأمين إعفاء الديون والحصول على تمويل.

وقال متعاملون، إن الدولار سجل انخفاضًا جديدًا في السوق الموازي، وكان قد انخفض إلى (445) بعد إعلان نتائج المزاد، حيث انخفض السعر من (470) جنيهًا وقت المزاد الثاني الأسبوع الماضي، بينما كان السعر الرسمي يوم الأحد نحو (426) جنيهًا.

اهتزاز السوق

وقال متعاملون، إن السوق السوداء اهتزت في المزادات الثانية والثالثة بعد أن لم تكن متأكدة في السابق مما إذا كانت الحكومة ستتمكن من ضخ الدولارات في السوق، وقال تجار، إن اتساع أنواع السلع التي يغطيها المزاد قلل أيضًا من المساحة التي تتمتع فيها السوق السوداء بالأفضلية.

وأوضح مسؤول كبير بوزارة المالية، أن السوق الموازية ليست سوقًا عميقة، ومضى قائلًا: “إذا كانت هناك معاملات بقيمة (30) أو (40) مليون دولار غير مدرجة في القائمة المعتمدة لمزادات البنك المركزي، وبالتالي تذهب إلى السوق الموازية، فقد يساهم ذلك في حدوث فجوة”، مضيفًا أن المزادات توفر أيضًا معلومات شفافة حول المعاملات في السوق حيث تكون الشائعات مؤثرة.

حملات أمنية

 

 

 

وتشن القوات الأمنية حملات على تجار العملة، وأعلنت قوات الشرطة يوم الخميس الماضي عن اعتقال تسعة من أكبر مخربي الاقتصاد الوطني، وقبل مزاد الأحد الماضي (174) عطاءً بسعر يتراوح بين (395) و (422) جنيهًا للدولار.

وكان مزاد الأحد قد قبل (174) عطاءً بسعر يتراوح بين (395) و (422) جنيهًا للدولار. وقال البنك المركزي إنه من المقرر عقد مزاد أسبوعي رابع يوم الأحد المقبل.

نجاح السياسات النقدية

وقال د. عادل الدومة الخبير في الشأن الإقتصادي أن تنظيم البنك المركزي للمزاد الرابع للنقد الأجنبي يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الدولة تملك إحتياطي نقدي من العملات الأجنبية يجعلها تتحكم في السوق الموازي مشيراً إلي تراجع الدولار أمام الجنيه خلال الأيام الماضية وهذا إن دل علي شئ إنما يدل علي نجاح السياسات النقدية الجديدة التي إنتهجها بنك السودان.

وأوضح الدومة في تصريح صحفي أن هذه السياسة التي اعتمدها بنك السودان تأتي في إطار تنفيذ توجيهات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم والذي منذ أن تسلم حقيبة المالية برزت بعض الجهات لمحاربته وإستهدافه للإنتقاص من المكاسب التي حققها إتفاق جوبا لسلام السودان والذي بفضله شاركت كل قيادات حركات الكفاح المسلح في مؤسسات الفترة الانتقالية مشيدا بمستوى العمل الذي تحقق علي الصعيد الاقتصادي بفضل السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي وقال أن هناك جهات تعمل علي وضع العراقيل وتأزيم الأوضاع الاقتصادية لإفشال د. جبريل إبراهيم وهي جهات تقف ضد إتفاق جوبا لسلام السودان وتعمل علي إفشال كل قيادات حركات الكفاح المسلح التي دخلت الحكومة عبر اتفاقية جوبا.

وشدد الخبير في الشأن الاقتصادي على ضرورة الإستمرار في تبني سياسات نقدية و إقتصادية تسهم في إستدامة الإستقرار الاقتصادي مبيناً أن أي تذبذب في السياسات الاقتصادية سينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين، مؤكدا أن سياسة تعويم الجنيه التي أقرها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي أسهمت في ثبات سعر الصرف مبيناً أن القفزة التي حققها الدولار خلال الفترة الفائتة كانت بسبب تصاعد المضاربات بين تجار العملة وقيام بعض الجهات بتوظيف هذا العمل سياسياً لإحراج وزير المالية والتخطيط الاقتصادي.

تدخل “التفكيك”

بالمقابل شرعت لجنة إزالة التفكيك في وضع خطة محكمة لمحاصرة تجارة العملة والمتهربين من الضرائب، وتشير معلومات إلى أن الخطة تستهدف ملاحقة مدراء وموظفي بنوك وتجار عملة كبار ومستوردين وشركات قطاع خاصة تضارب في العملات الاجنبية، وقال مصدر مسؤول باللجنة أن اللجنة تمتلك معلومات خطيرة عن مدراء بنوك وموظفين وتجار وشركات ظلت تتعامل بالنقد الاجنبي خارج الأطر القانونية.

وقال إن قانون التفكيك يسمح للجنة بالتدخل من تلقاء نفسها لوقف مثل هذا العبث الذي يدمر الاقتصاد السوداني، مشيراً إلى أن اللجنة حذرت مدراء البنوك في اجتماع سابق (ولا عذر لمن أُنذِر).

وأكد المصدر صحة ما تداولته مواقع التواصل الإجتماعي عن إجبار أحد رجال الأعمال الكبار بدفع ٣١٧ مليار جنيه تسوية تهرب صريبي ودونت في مواجهته بلاغات جنائية لدى النيابة العامة.

وكان بنك السودان المركزي أطلق ثالث مزاد نقد أجنبي على التوالي، وفتحه أمام مستوردي 41 سلعة، ووفق البنك، فإن المزاد تضمن 50 مليون دولار للبيع، وكالعادة يقتصر على البنوك فقط نيابة عن عملائها، على أن يقدم العميل طلبا واحدا على مصرف واحد مع توضيح الرمز الائتماني والرقم الضريبي.

وفي ذات السياق أيضا، قال اتحاد المصارف السوداني ، إن بعض الأطراف سعت في الأيام القليلة الماضية لنشر أخبار غير صحيحة وضارة بشأن سعر الصرف الأجنبي بهدف عرقلة سياسة توحيد سعر الصرف

وكان البنك الدولي قد أعلن عن تمويل عدة مشاريع تنموية في السودان بقيمة 2 مليار دولار خلال 12 شهرا المقبلة، كما قرر مصرف “دويتشه بنك” الألماني استئناف التحويلات المصرفية مع السودان بعد انقطاع دام لأكثر من 15 عاما بفعل الحظر الأمريكي على الخرطوم.

كما تأتي الخطوة بعد نحو أسبوع من إعلان وزارة الخزانة الأمريكية سريان قرار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد نشره في السجل الفيدرالي والسماح للبلاد بإجراء التحويلات المالية مع كافة دول العالم.

 

 

فكرة القذافي

 (الدجاجة تبيض، ولكن الدينار لا يبيض) هذه النظرية مقولة شهيرة استعان بها القذافي في كتابه الأخضر وأراد، القذافي أن يوضح طريقته في حل أزمة الاقتصاد العالمي إلى جانب نظريات أخرى، وتكمن رؤية القذافي باختصار شديد في أن الدينار الليبي لا يبيض إذا ما تركته في المنزل، وحث الشعب الليبي على أن يشتري دجاجة ويستثمر في بيضها لأن الدجاج يبيض وأن الدينار لا يبيض.

الفكرة ربما قصد من خلالها القذافي تشجيع الشعب الليبي على الإنتاج وعدم الاعتماد على ما يتقاضونه من رواتب حكومية. وهذه النظرية ربما أشبه بكثير للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فقد تعطلت كافة أدوات الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعى، وهو من الأسباب المباشرة في تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار.نظرية الدينار لا بييض ربما يتفق معها كافة خبراء الاقتصاد أن لم يكن أغلبهم.

الخبير الاقتصادي والأستاذ بمعهدة الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، د. حسن عبد الحميد أعاد الاستفهام نفسه قبل أن يجيب عليه بعبارة فيها شيء من الحسرة على الوضع الاقتصادي، (البمنع الدولار يرتفع شنو؟)،  عبد الحميد ألقى باللائمة على السياسات الاقتصادية التي طالت البلاد منذ مجيء الإنقاذ قبل أكثر من ربع قرن، وقال في حديثه إنه يتوقع أن يصل الدولار إلى أقصى حد، وليس هناك ما يشير إلى احتمالية تحسن على المدى القريب، وحصر المسببات في أن خللاً هيكلياً أصاب الاقتصاد منذ وقت ليس بالقريب، واسترسل قائلاً (الخلل الهيكلي، وضعف الإنتاج وسياسات سعر الصرف، وشروط الاستثمار، جميعها تكالبت على الجنيه.

 وأردف قائلاً: (ليس من المعقول أن نفتح الباب لاستيراد جميع السلع وأشياء يمكن أن تصنع بالداخل). ولم ينس عبد الحميد الحديث عن المقاطعة الأمريكية وانعكاساتها السالبة على التحويلات، وعدم الاستفادة من الدعم الخارجي والمساعدات الأخرى.

وأشار إلى أن استمرار الحرب في عدد من المناطق ساهم بقدر كبير في خروج مناطق الزراعة عن دائرة الإنتاج، علاوة على الإنفاق الأمني والعسكري الذي ظل يستنزف الميزانية العامة.

حلول ناجعة

وحول الحلول المطلوبة لإنقاذ الجنيه من الضياع، طالب عبد الحميد بضرورة مراجعة إدارة العملية الاقتصادية في البلاد برمتها، مشيراً الى أن الأجهزة المعنية تعاني من أزمات كبيرة، سواء في بنك السودان، أو وزارة المالية، ودعا لوضع سياسات اقتصادية، تعمل على معالجة الخلل الواضح في الاقتصاد، وزاد:(الخلل يبدو متمثلاً في الأشخاص الذين يديرون العملية في جوانبها التقنية والفنية).

ولفت إلى أن الإصلاح فيما يتعلق بالبناء المؤسسي يحتاج إلى عمل كثير مذكراً بأنه غير فاعل فيما يختص بإدارة الشأن العام، وتقديم الخدمات، خاصة وأن الأزمة متكاملة، ملاحظاً أن الأمور الاقتصادية تدار بسياسة (رزق اليوم باليوم)، وليس هناك تخطيط إستراتيجي، منادياً بعملية إصلاح جذري إن أراد الناس العودة بالجنيه لسيرته الأولى.

التضخم

 

التضخم عبارة متداولة من قبل المواطن البسيط في مفردة الغلاء، ولكن الكثير من الناس لا يعرفون المعنى الحقيقي للتضخم، وإن كان هو الأزمة الحقيقية، التي يعاني منها المواطن بطريقة مباشرة في مأكله ومشربه ومسكنه، ويعرف علماء الاقتصاد التضخم بأنه الزيادة المتواصلة لأسعار السلع والخدمات بمعنى (عندما يذهب الفرد إلى السوق ليجد أن وزن أو عدد ما يشتريه اليوم من سلعة ما يقل عن وزن أو عدد ما كان يشتريه بالأمس بنفس المقدار من النقود، فهذا مؤشر خطير على تطور اقتصادي سلبي يلتهم قيمة النقود، ويجعلها تفقد قيمتها، بمعنى آخر أنك تذهب بأموال كثيرة لتأتي بأشياء تحمل على اليد فقط). هذا باختصار شديد تعريف الظاهرة الخطيرة المسماة بالتضخم، والتي يعرفها العامة باسم ?الغلاء.

 وعن مسببات التضخم يشير خبراء الاقتصاد بأنه ليس له مسبب واحد بل أسباب عدة منها تضخم ناتج عن التكاليف وينشأ بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، المتمثلة في زيادة الرواتب والأجور، وآخر ناتج عن زيادة الطلب على النقد والذي يصاحبه زيادة عرض السلع والخدمات مما يعني ندرة السلع وارتفاع ثمنها، أما الأخير وهو الذي يعنى بتضخم تشوهات الاقتصاد حيث تكون الأسعار قابلة للارتفاع وغير قابلة للانخفاض كما في حالة الوضع الآن في البلاد، وتشير المقارنة أعلاه إلى أن كافة مسميات التضخم متجسدة تماماً في واقع الاقتصاد الحالي وإن بحث علماء الاقتصاد لمصطلح آخر لدخلت حالة السودان في هذا المصطلح الأمر الذي يشير الى أن الأزمة أزمة خلل هيكلي وليس خللاً طارئاً تتم معالجته بين يوم وليلة أو شهر وشهرين.

 

المعالجة تتم حين تتخذ الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد القوي معدل الفائدة وسيلة للحد من التضخم، فتتعامل بمعدل الفائدة بالزيادة أو النقصان لكي تعالج التضخم، فعندما تكون هناك علامات تضخم بدأت في الظهور، فإن البنك المركزي يعمل على زيادة نسبة الفائدة، فيسحب الأموال من السوق ويوجهها إلى عملية ادخار أو استثمار (الادخار = الاستثمار)، فعندما تكون أسعار الفائدة عالية فإن الإغراء في الاستثمار سيرتفع لكبر الفائدة العائدة على المستثمر، أما في دول كوضعية السودان فلا يمكن علاجه من دون زيادة الإنتاج على حساب الاستيراد، وتشجيع الاستثمار.

فلاش باك

من يصدق بأن الجنيه وقبل أن يتدهور كان يساوى (2) جنيه أسترليني و(3) دولارات أمريكية، وعشرة ريالات سعودية، ومنذ ذلك الوقت مرت الجنيه بثلاث مراحل للتدهور، كما وثقها الخبير الاقتصادي النعمان حسن فكانت المرحلة الأولى قبل إنقلاب مايو، والتي بدأت فيها نسبة الانخفاض ترتفع منذ ذلك الوقت، وذلك عقب قرار صادر عن وزير المالية حينها بدر الدين سليمان عندما ألغى الرقابة على النقد، وعمل بذلك على تعويم سعر العملة (بمعنى أن الجنيه هو الذي يحدد قيمته في السوق مقابل العملات الأخرى وليس سياسة الدولة)، وكان من المفترض أن يقابل ذلك القرار إرتفاع في مصادر الإيرادات، حتى تظهر القوة الحقيقية للجنيه بالحفاظ على قيمته.

المرحلة الثانية وصفها خبراء الاقتصاد بمرحلة (إعدام الجنيه أو ذبحه).

 

وشهد فيها الجنيه هبوطاً قياسياً في عهد الإنقاذ، وذلك عندما أعلن في تسعينيات القرن الماضي، وزير المالية عبد الرحيم حمدي عن سياسة التحرير الاقتصادي، وهي تعني رفع الرقابة عن السوق، ودخلت البلاد في مرحلة السوق الحر الذي فتح الباب واسعاً أمام الاستيراد للسلع الكمالية.

أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة انفصال الجنوب، التي أعقبت مرحلة انهيار المشروعات الزراعية وتدني الإنتاج الزراعي، والصناعي، وأعلنت حينها الدولة قرار رفع الدعم عن المحروقات، ليصل الجنيه مرحلة أن ينقل إلى البنوك بواسطة (شوالات خيش).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *