أهم الأخبار

بيوت الأشباح وضرورة مُحاسبة المُجْرِمين

المواكب تفتح هذا الملف المؤلم

بيوت الأشباح وضرورة مُحاسبة المُجْرِمين

  • ثُمّ ماذا بعد البرنامج التوثيقي “بيوت الاشباح”؟ ولماذا لم تتفاعل أيّة جِهة عدليّة ؟
  • كل حلقة تركت خلفها ذات الاسئلة: لماذا لا يقاضي النائب العام الذين وصموا الدولة السودانيّة بعارٍ لا يغسِله إلّا مُحاسبتهم؟
  • هل ينتظِر النائب العام أنْ يرفع الضحايا شكاوى حتى يفتح تحقيقات حول الجرائم التي أُرتُكِبت في حقهم؟
  • النائب العام يمْلِك حق التحَرُّك باسم مكتبه وصلاحياته، فلماذا لا يفعل والضحيّة موجود والجلّاد موجود والجريمة محرّزة زماناً ومكاناً وشهوداً؟
  • السؤال الذي يدور في ذهنِ كل مَن يتابع حلقات أحد ملفّات جرائم النظام البائد، أين المُجْرِمون الذين ارتكبوا فظائِع تعذيب المُعتقلين والإساءة إليهم وإذلالهم وهدر كرامتهم؟
  • كثيرٌ مِمَّن ارتكبوا جرائم نظام الإنقاذ الساقط، وأمروا بها أو وفّروا لها الفِقه اللازم لتصبح مُمارسة باسمِ الدولةِ والدِّينِ يعيشون بيننا.
  • على الدولة السودانيّة أنْ تنظِّف نفسها وتتطهر من تلك الجرائم المُخزية حتى لا تتكرّر باسمها وباسم أيّة سُلطة حاكِمة أخرى

د. عصام محجوب الماحي

في قروباتٍ بمنصّةِ (واتساب) للتواصل الاجتماعي، جرى توزيع مقال خُلاصته انّ “السُلطات السودانيّة تمنع القائمين على برنامج بيوت الأشباح من تصوير بيوت وزنازين التعذيب في عهد الإنقاذ والكيزان”.

في واحدٍ من تلك القروبات، كتبت حول المعلومة أعلاه وردّاً على تعليقات مَن شارك في الحوار، ما يلي:

هذا الأمر ليس صحيحاً، ويؤكد مصدر موثوق “انّ ما ورد في ذلك المقال غير صحيح على الإطلاق”، ويضيف المَصْدَر “هناك تصوّر بأنّ هذه البيوت أو تلك الزنازين لا تزال كعهدها. لقد تحوّلت كلها لمباني جديدة وحديثة، ويمكِنك أنْ تقول.. كان هنا بيت أشباح، لكن لن تجِدْ الغُرف ولا المباني القديمة. أشهر بيوت الأشباح الذي ورد في عدد من الحكايات هو بيت (سيتي بانك)، تحوّل لعمارة كبيرة الآن. نادي الضباط الإداريين ولجنة الانتخابات تحوّلا لعمارةِ الضمانِ الاجتماعي. مبنى آخر تحوّل لإدارةِ الإعلامِ التابع لجِهازِ الأمنِ. العمارات الحمراء الأربعة في القيادة تم هدمها وبُنيت مكانها أبراج الجِهاز الحاليّة”. وأردف المَصْدّر “المؤسِف في هذا الموضوع أنّ الجنود الحقيقيين وراء برنامج (بيوت الأشباح)، والذين عملوا على الإعداد والتجهيز له لأشْهُر طويلة لا يتحدثون.. وبعض مَن عُهدت إليهم أدوار مُحدّدة في تنفيذ البرنامج، صاروا نجوماً يتحدثون باسمه ويدلون بالتصريحات ويكتبون معلومات مغلوطة في السوشيال ميديا”. انتهى.

في مداخلة أخرى واصلت وكتبت:

ومع ذلك، حسناً فتحنا الحديث حول هذا الموضوع.

السؤال الذي يدور في ذهني، وأكيد في ذهنِ العديدِ من الذين يتابعون حلقات أحد ملفّات جرائم النظام البائد، يتعلّق بأسماءِ المجرمين الذين ارتكبوا تلك الفظائِع وقد ورد ذِكرهم وثبت على لسانِ العديد من الضحايا تأكيد ارتكابهم الكثير من جرائمِ تعذيب المُعتقلين والإساءة إليهم وإذلالهم وهدر كرامتهم. فهل ينتظِر النائب العام أنْ يرفع الضحايا شكاوى حتّى يفتح ملفّات وتحقيقات حول تلك الجرائم؟

الذي اعرفه أنّ النائب العام يملك حق التحرُك باسم مكتبه وصلاحياته والتحقيق في أيِّ موضوع يرى فيه شُبهة قضيّة جنائيّة جرى تداولها في الإعلامِ أو حتّى وصلت إليه أيّة معلومات عنها بأيِّ طريقة ما، وكذلك النيابات العامة والمُتخصِّصة تملك بذاتِ الحيثيّاتِ حق المبادرة لفتحِ تحقيقاتٍ جنائيّةٍ، إمّا الاستِمرار فيها بحسب ما تؤكِده التحقيقات الأوليّة فتتِم إحالة الملف للقضاء أو يُحفظ التحقيق لأنّه لم تتوفّر بيّنات تَسْتَدْعى رفعها لقضاءٍ.

هذا الأمر شهدته وأتابع مثله هنا في رومانيا في العديدِ من القضايا وحتّى المُتعلقة بالفساد وتجاوز صلاحيات المنصب وتضارُب المصالح.

مثلاً، كشفت تحقيقات برنامج تلفزيوني – استمرّ سنة كامِلة في حلقاتٍ أسبوعيّة تُعاد كل حلقة سِتّة مرّات، أي يوميّاً – عن سجنٍ كان يتم فيه تعذيب المعتقلين السياسيين أوّل سنوات حُكم النظام الشيوعي السابق، وأغلب الإفادات لم يتيسّر لها أنْ تكون على لسانِ الضحايا أنفسهم فقد غادر اغلبهم الحياة، وكانت نقلاً عن أبنائهم أو أقرباء لهم أو بالاطلاعِ على ما تركوه مكتوباً ومُسجّلاً، وكأنّهم كانوا ينتظِرون يوم مُحاسبة جلّاديهم.

المُهِم في الأمرِ أنّ التحقيقات كشفت عن أحد الجلّادين الذين أشرفوا في فترةٍ ما على ذلك السجن واستطاعت صحافيّة استِقصائيّة أنْ تكشفه وعرفت مكان إقامته وكيف يعيش ومبلغ المعاش الذي يصرفه وأملاكه.

فتحت النيابة ملفّاً واستدعت ذلك الضابط وحقّقت معه برغم أنّ عمره كان أكثر من ثمانين سنة وقدّمته أمام القضاء الذي حكم عليه بالسجن 20 سنة وصودِرت ممتلكاته وتوقّف معاشه، وقد توفى ذلك المُجْرِم في السِجن عن 93 سنة.

سؤالي هو.. لماذا لم تتحرّك أيّة جِهة عدليّة بعد بثّ حلقات بيوت الأشباح؟

وهنالك أسئلة أخرى كثيرة لا اشك أنّكم جميعاً تعرفونها وتسألونها.

الذين ارتكبوا جرائم بيوت الأشباح التي أقامها النظام البائد وغيرها من الجرائمِ التي يندي لها الجبين لا يحتاجون أنْ تهاجر لهم لتطاردهم مثلما يفعل الذين امتهنوا صيد مُجْرِمي النازيّة الهاربين، وحتّى مَن قُبِر مِنهم نبشوا سيرَته في نِصوصٍ ورواياتٍ أدبيّة تحولت إلى أفلام سينمائيّة خلّدت الضحايا وجعلت الجلّاد عارياً من الأخلاق والقِيَم الإنسانيّة والربّانيّة.

كثيرٌ من الذين ارتكبوا جرائم نظام الإنقاذ البائد، وأمروا بها أو وفّروا لها الفِقه اللازم لتصبح مُمارسة باسمِ الدولةِ والدِينِ مع الأسْبابِ التي جعلتها حالة دراسيّة لداءِ فُقْدان الإنسانيّة، يعيشون بيننا. الأسماء معروفة. الأوجه لم تتغير بعمليات جراحيّة ويستطيع الضحايا التعرُّف عليهم.

على الدولة أنْ تكون الادعاء لإحقاقِ الحق العام، وتأتي بكل مَن ورد اسمه في ملف بيوت الأشباح ليصبح مُتهماً، ويطلب الادعاء من الضحايا ليمثلوا أمام القضاء كشهودِ إثبات. على الدولة السودانيّة أنْ تنظِّف نفسها وتتطهر من تلك الجرائم المُخزية حتى لا تتكرر باسمها وباسم أيّة سُلطة حاكِمة أخرى.

مسألة التصوير في ذات بيوت الأشباح التي جرت فيها تلك الجرائم لم تعُد هي القضيّة الأساسيّة. علينا أنْ نناقِش مسائل مثل، ثم ماذا بعد كشف حقائق الجرائم وبالأسماء في برنامج بيوت الأشباح؟ هل مِن تحرُك لجلبِ الذين ارتكبوا تلك الجرائم ليمثلوا أمام العدالة؟ الضحيّة موجود، وكذا الجلّاد، فلماذا لا يبدأ الحِساب؟ وكيف يكون الحِساب؟

النائب العام ومَن ينوب عنه لا يحتاج أنْ يصله ضحايا بيوت الأشباح ليتحرّك.. تستطيع النيابة العامة من داخلها أنْ تفتح ملفّات عديدة في مواجهة كل من ورد اسمه من الجلّادين والذين ارتكبوا تلك الجرائم.. لتبدأ مُحاسبة الجرائم والمُجرِمين.

مُحاسبة مُجرِمي بيوت الأشباح لا تحتاج لقوانين ثوريّة وإنّما لنيابة عامة تقوم بواجبها. إنّها جرائم خارج القانون.

* الحلقة الاولى من “بيوت الاشباح” بعيون وتعليقات مشاهدين:

حول الحلقة الاولى للبرنامج الوثائقي الذي بدأ تليفزيون السودان بثّه يوم الثلاثاء 26 يناير 2021 باسم “بيوت الاشباح”، جرى في قروب (الاكرم مكي ابوقرجة) بمنصة (واتساب) للتواصل الاجتماعي، تبادل الرسائل التالية:

– الدكتور ابو طالب محمد اسماعيل: حلقة مُمَيّزة توضِّح نضال وكفاح الطبقة العماليّة في السودان. متجرِّدة من كل ما هو ذاتي. لقاء مع المناضل النقابي عكاشة عبد الرحمن علي، حفظه الله. لا بُدَّ من الوصول للجُناة في مصير فلذة كبده المناضل فوزي عكاشة.

+ دكتور عادل سليمان: عكاشة عبد الرحمن علي.. ياسلاااام.. هذا الشعب سكب الدم وانتصر على سياط التعذيب والقهر. انتصروا على بيوتِ الأشباحِ وانتصروا للكرامة وهزموا القهر والاستبداد.

ادمعت أعْيُن جميع المتابعين معي عندما ذَكر أنّ إبنه تَمَّ اختِطافه في 1995 من قِبل الامنجيّة وحتى الآن لا يعرف مكانه.

يجِب إعادة الحلقة يومياً لحين بث الحلقة الثانية…. كل مَن لم يشاهدها سيحرص على مشاهدتها حتى اعداء الثورة ليروا نضال الشعب السوداني ضد الظُلم والتضحيات التي قُدّمت من أجل الحرية.

– عبد القادر سيد أحمد التويم: بكيت عندما ذَكر عكاشة صديقي د. حمودة وكيف استقبلهم في كوبر… وبكيت أكثر عندما تحدث عن إبنه الذي اختُطف منذ عام 1995.

+ د. ابو طالب: رحم الله حبيبنا دكتور حمودة فتح الرحمن… طبعاً اتْشَلّ من أثر التعذيب. له الرحمة والمغفرة.

– الرشيد شمس الدين عبد الله: أذكُر جيِّداً يا دكتور ابو طالب حين خرج حبيبنا حمودة من بيت الاشباح وحضر إلي كوستي… ذهبنا إليه نحْمِد الله على سلامته وكان يعاني بشدَّة من الآم الرُكب. أذْكُر ان أحد العجائز، ويبدو أنّه عَمّه، قال له: شنو حكاية رجليك دي؟ نحن ما عندنا في الأسرة حتى الكبار قَدُرْنا لا يشْكون منها.

حكى لنا حمودة أنّهم كانوا يضعونه في (بانيو) مُمْتلئ بالماء والثلج في حمام بمساحة البانيو نفسه، حتّى الباب يفتح للخارج، لينام فيه حتّى الصباح وكان يُغْمى عليه احياناً… وظل يعاني من آثارِ التعذيبِ حتى وفاته الاليمة…

لحبيبنا حمودة الرحمة والمغفرة وجنّات عرضها السماوات والارض أُعِدّت للمتقين، فقد كان نسيجاً وحده.

+ د. ابو طالب: يا صديقي الرشيد.. دكتور حمودة كان له نضال غير مسبوق ولا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم.. رحمه الله رحمة واسعة وجعل الله قبره روضة من رياض الجنّة.

– الرشيد: والأهم يا ابو طالب التواضع. كان حمودة يتصدّى لكل شيء خاطيء وفِعلاً لا يخشى في الحق لومة لائم، ورغم ذلك لا يتحدّث مُطْلقاً عن ادواره الكبيرة في العمل العام ويحكي فقط عن ادوار الآخرين. أُجْبِر على الخروج من الوطن مُكرهاً وهو المُرتبِط بالوطنِ بلا انفصِام.

طِبْت حيّاً وميّتاً يا حبيبنا حمودة فتح الرحمن.

+ علي إبراهيم تبيدي: عندما ذَكر المناضل عكاشة عبد الرحمن علي أنّ ابنه اختطف وحتّى اليوم لا يعرف ماذا حصل له، انتابني شعور غريب. مزيج من الحُزنِ والغضبِ، الحزن على ما اصاب أمه ووالده وجميع اهله وزملائه وأصدقائه وجيرانه.

اختفاء شاب من غير أنْ تعرف أين هو، شيء مُقْلِق لكلِ إنسانٍ والمُثير للغضبِ إنّنا غير قادرين أنْ نحدِّد مسؤولية مَن؟ ومن أين نبدأ؟

لقد تعدّدت الجِهات الأمنيّة في ذلك الزمن القبيح وهنالك أكثر من جِهة يُمْكِن أنْ تؤشِر عليها.

وهذه الحالة ليست حالة فردية، فهي تكاد تكون حدثت في كل بقاع السودان وتحتاج لورشة لدراستها لإيجاد حلول لها حتى ترتاح قُلوب الاهل المكلومين. والله المستعان.

– د. عصام محجوب الماحي: اتمنّى أنْ يَرْصُد تليفزيون السودان تفاعُل المشاهدين مع حلقات بيوت الاشباح حتّى لا تنتهي الحلقة ببثِها.

كانت الحلقة الاولى عبارة عن شهادةٍ وادِلّةٍ وبراهين على لِسَانِ أحد ابطال ذلك العهد القميء واجهزته الامنيّة سيئة السُمعة. شُكراً للمناضل النقابي عكاشة عبد الرحمن، جعل الله نضاله في ميزان حسناته فقد حصل الوطن بصموده ومقاومته على دَرْسٍ غالي يسجِله التاريخ باحرفٍ نيّرة ومُنيرة.

يجب أنْ تبقى تلك الشهادة حيّة تعيش بيننا ومعنا يحفظها الراهن لتشكِل المُستقبل حتّى لا يحدُث أبداً مثل ما حدث في بلادنا في الماضي.. ليبقى ما حدث في “بيوت الاشباح” ماضياً لن يتكرّر مُستقبلاً، ولن يتأتّى ذلك إلّا بمُحاسبة تلك الجرائم اللاإنسانيّة وجرّ مرتكبيها الى ساحة العدالة.

يجب أنْ تتناول المناهِج الدراسيّة ما حدث في ذلك العهد البغيض لتحصين الاجيال الجديدة وتعريفها بما حدث في البلاد خلال حِقبة الظُلم والظلام والقهر والقتل والتعذيب التي حكمت فيها البلاد جماعات الاسلام السياسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *