أعمدة صحفية

الحروب الصغيرة: كبيرةٌ.

عبدالعزيز بركة ساكن

الحرب بين الزغاوة والحلفاويين، الحرب بين الرعاة والمزارعين، الحرب ما بين العرب والدافوريين الحرب بين النوبة والبني عامر الحرب ما بين الهوسا والنوبة والبجا الحرب ما بين الجيش والمليشيات الحرب ما بين المليشيات والمليشيات الحرب في كل مكان وبين كل كيان وآخر: إنها الحروب الصغيرة الكبيرة.

هذا الوطن الشاسع الذي هو السودان، تكوَّن عن طريق الهجرات القديمة والحديثة نسبة لموقعة في قلب أفريقيا وطرق الحج والتجارة القديمة واكتنازه بالثروات الطبيعية. جاء النوبة على حسب رواية ديفيد أوكنور من شمال أفريقيا، وجاء العرب في هجرة مرتدة من الجزيرة العربية وجاءت القبائل النيلية من طول منبع النيلين ورافدهما، وفيما يُقال عن أصول البجا إنها قبائل آسيوية، ثم كانت الهجرات الحديثة من غرب إفريقا ووسطها وشرقها، بل إن هنالك قبائل لها امتداد في جنوب أفريقيا مثل الهوسا التي ينتمي اليهم نيلسون مانديلا.. أريد أن أقول هنا: السودان وطن للجميع، بل وطن لكل من حل به المقام وكملت أسباب هجرته. فالأرض شاسعة ومرحابة: وهذا هو الأمر الواقع.

ولكن ما أسباب تلك الحروب: ببساطة إنها صراعات في الموارد والسُلطة. ولو إنها تأخذ أحياناً شكل حروب الهُويات وذلك عندما تتدخل السياسة في الأمر. حيث يقوم السياسيون بإعادة تشكيل الهُويات عن طريق العنف وهي  الحروبات التي تقودها الدولة نفسها، حروبات تأخذ أشكالاً متعددة منها سياسات التعليم والسياسات التنموية وتخصيص الموارد وطرائق توزيع السلطة بالإضافة لاستخدام الجيوش والقتل المادي للإنسان وتدمير مرتكزاته الفكرية والعقدية ولغته وتحويله إلى مسخ.

يمكن العمل على فض النزاعات الصغيرة والكبيرة، في ظني عن طريق البرلمانات الشعبية، وليس عن طريق انحيازات المركز. فمصلحة الشعوب في أن تعيش بسلام ومحبة في هوياتها المتعددة. وقد فشل المركز في إدارة التنوع في السودان وما زالت طاحونة الفشل تدور في بطء وتحصد أرواح المواطنين في الأطراف وسوف لا ينجو المركز من أنهار الدماء فبذرة الحرب تنمو هنالك أيضاً ببطء.

البرلمانات الشعبية على مستوى الحضر والأطراف تشكل كمجالس شورى كانت تستخدم منذ آلاف السنوات لحل النزاعات بين القبائل والأفراد لدىالقبائل الإفريقية والعربية وهي تدعم الاستقرار بمنهجية الأعراف والإرث التأريخي لتلك الشعوب. فالاعتماد على وسائل فض النزاعات بوسائل المركز في بلد شاسع مثل السودان عانى من سُلطة مركزية تجهل فن إدارة التنوع لا يفيد، بل مُضر بالسلام المجتمعي ومستقبل الدولة الحديثة، فالرجوع إلى الوسائل التقليدية مع تحديثها بوضع بعض الضوابط القانونية الضرورية والقليل من التدريب فيما يخص آليات فض النزاعات ودراسة تجارب الشعوب الأخرى التي عانت من ويلات الحروب ونجحت في العبور الى بر الاستقرار. يمكننا تكوين برلمانات شعبية محلية في الأطراف تقوم بإدارة التنوع والأرض والثروة والسلطات المحلية. وبذلك يتم الانتقال من مرحلة القبيلة والكيانات إلى مرحلة الإدارة المجتمعية،حيث أن البرلمانات الشعبية تصبح الواجهة الإدارية الحضارية والمرجع الأساسي في كل ما يخص المجتمع أو الأفراد وتتولى إدارة العلاقات بينهم والحكومة المركزية في مظهرها المحلي كولاية أو محلية وغيرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *